الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
أهل الحسبة
2675 مشاهدة print word pdf
line-top
صبر الأنبياء وأتباعهم على البلاء

لا شك أن المتمسك بالسنة في هذه الأزمنة لا بد أن يلاقي أذى، ولا بد أن يلاقي تعبا ومشقة، ولا بد أن يُنال منه ولا بد أن يضطهد ويؤذى، فإذا صبر واحتسب؛ فإنه يناله بذلك هذا الأجر، إذا تمسك ولم يبال بمن آذاه، ولم يبال بمن خالفه، ولم يبال بما حصل منه، أو حصل عليه من الأذى أو الاضطهاد أو التحقير، أو أنواع البلاء؛ صبر على ذلك واحتسب فإن أجره كبير، أجره عظيم؛ كما ذكر في هذا الحديث أن للعامل في تلك الأزمنة التي هي زمان الغربة أجر خمسين يعملون مثل عمله أو قيل: يا رسول الله خمسين منا أو منهم؟ قال: بل منكم أي خمسون من الصحابة هو أجره، وما أعظم الأجر إذا حصل له هذا.
ولكن هذا بسبب أنه جهر بالحق، وأظهر السنة، وتحمل ما أصابه، وعلم بأن هذه سنة الله، سنة الله تعالى في خلقه، في أنه إذا تمسك العبد التمسك الواضح الظاهر؛ فإنه لا بد أن يناله ما يناله، قال الله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ .
وحتى الرسل يستبطئون نصر الله، ويقولون: متى يحصل النصر؟ الله وعدنا بنصر ثم قال: أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ فتشتد هذه الأزمات وهذه الأهوال حتى على الرسل وعلى أتباع الرسل، ويكون صبرهم ثمنا للجنة.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ أي تحسبون أنكم تدخلون الجنة وقد ... أنكم دائما لم يصبكم شيء من البلاء الذي أصاب من قبلكم، ولم تبتلوا بمثل ما ابتلوا به، لا، لا بد أن ينالكم ما تنالون به رضا الله، وما تنالون به كرامته وعليكم الصبر، وعليكم الاحتساب، هكذا أخبر الله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ .
هل تحسبون أنكم ستتركون من غير ابتلاء؟ لا بد من الابتلاء: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا .
الكفار مثلا قد يعافون، وقد يمد لهم في الأجل، وقد يعطون من القوة ومن التمكين، ولكن لا ينخدعون بذلك ولا تنخدعوا به، لا تنخدعوا بما أوتوه ومثل ما حصل لهم من القوة؛ فإن ذلك متاع قليل وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا والإملاء هو التأخير، الله تعالى يؤخرهم إلى أجل مسمى ويقول الله تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا .
هكذا توعدهم الله أن لهم موعدا وهذا الموعد محدد، الله تعالى هو الذي حدده، لا تستعجل، وتقول: إنك حصل علي وكذا ولم يحصل على فلان أو فلان، بل انتظر إلى أن يحين الأجل الذي حده الله تعالى، الله تعالى قد أخبرنا بأنه لا بد أن يبتلى المؤمن، ولا بد أن يصيبه ما يصيبه، في هذه الحياة ليرفع الله تعالى درجته، وليجزل مثوبته.
لما أوذي الصحابة -رضي الله عنهم- بعدما أسلموا بمكة واضطهدوا، وألقوا في الشمس، وألقيت على صدورهم الحجارة، وضربوا، وأوذوا؛ فكان ذلك دليل على صبرهم، وتمسكهم بالإسلام تمسكا ظاهرا، فعند ذلك أنزل الله تعالى لهم تسلية قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ يعني هل يحسبون أنهم يظهرون الإيمان، ومع ذلك لا يحصل لهم فتنة؟!
بلى سوف تحصل الفتنة، وسوف يبتلون وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ هذا الابتلاء وهذا الامتحان يظهر به من هو صادق ومن هو كاذب، وليعلمن الله يعني يظهر معلوم الله، يظهر من علم الله أنه صادق ومن علم الله أنه كاذب هكذا قوله: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، عند هذا الامتحان يظهر، من علم الله أنه صابر، ومن يعلم من قلبه أنه منافق أو أنه مُرَاء، فالذي ينخدع، ويترك الخير، ويعمل بالشر، ويجاري الناس ويداهنهم، إذا حصل له أية أذى أو أية مصيبة أو ما أشبه ذلك.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن هذه الدار دار ابتلاء وامتحان، وأن الامتحان والابتلاء يكون في حق المؤمنين أشد، ليرفع الله تعالى درجاتهم، ويجزل مثوبتهم، وليثيبهم على صبرهم.
ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة؛ شدد عليه وإلا خفف عنه هكذا أخبر بأن المؤمنين يبتلون كما تبتلى الأنبياء، الأنبياء هم أفضل الأمة، وأفضل الخلق؛ أفضل الخلق، ومع ذلك هم أشد الناس بلاء.
كما حصل لنبينا -صلى الله عليه وسلم- من الابتلاء ومن الامتحان في حياته قبل الهجرة، وحتى أيضا بعدها، أصابه ما أصابه، وكذلك أتباعه ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه على قدر صلابته في دينه، وعلى قدر تمسكه بدينه، فإن كان في دينه صلابة، وفي دينه قوة؛ يوجد دلائل ليعظم أجره، وليظهر صبره ليكون قدوة لغيره، وإلا خفف عنه.
كذلك أيضا ذكروا: أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني أحبك، فقال: إن كنت صابرا؛ فأعد للبلاء تجفافا فإن البلاء أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منحدره هكذا أخبره إذا كنت تحبني؛ فلا بد أن ينالك بلاء، فإن البلاء يسرع إلى من يحبني، كما أنه يسرع إلى الأنبياء، وإلى أتباعهم أسرع من السيل إلى منحدره.
وروي في بعض الآثار أن الأنبياء وأتباعهم يسلط عليهم الكثير من الأذى، ومن الابتلاء، ومن الامتحان حتى أنه يبتلى، وأنه يسلط عليهم حتى القمل في رءوسهم، وفي ثيابهم.
كل ذلك لأجل أن يزيد الله تعالى في درجاتهم، في سنن الترمذي الحديث الذي فيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد الله بعبده الخير؛ عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر؛ أمسك عنه بذنبه؛ حتى يوافى به يوم القيامة فيكون هذا الابتلاء والامتحان الذين يصيب الإنسان تكفيرا لخطاياه، ورفعا لدرجاته إذا أراد الله بعبده الخير؛ عجل له العقوبة العقوبة تكون تكفيرا لما يصيبه ولما يفعله من نقص أو تقصير أو نحوه، وأما الذي يعافى؛ فإنه يكون علامة على أنه ممن أراد الله تعالى به الشر.
وروي في ذلك أيضا حديث: أن مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح يمينا وشمالا مثله بأن الرياح تأتي من هنا ومن هنا فتميل بها من هنا، وتميل بها من هنا، يعني يشير إلى الآفات والمصائب التي تحصل للمؤمن، ومثل الكافر بأنه كشجرة الأرز التي لا تحصد إلا مرة واحدة؛ الكافر لا يصيبه شيء إلا مرض الموت عادة، وإن كان قد يصيبه في بعض الأحيان زيادة في عقوبته.
وكذلك ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، ومن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط لا شك أن هذه البشرى للمؤمن الذي يبتليه الله تعالى دليل على أنه يعظم جزاءه، عظم الجزاء مع عظم الأجر، عظم الجزاء مع عظم البلاء إذا أحب الله قوما ابتلاهم إذا أراد الله بهم خيرا ابتلاهم فمن رضي؛ فله الرضا ومن سخط؛ فله السخط .
فذلك كله مما يفرح المسلم بهذه الدنيا، لأنه إذا ابتلي؛ فإنه ممن أراد الله تعالى به خيرا، وأنه ممن يكفر الله عنه ما يقع فيه، كما روي أن أبا بكر - رضي الله عنه- سمع آية في سورة النساء هي قوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ فقالوا يا رسول الله: هذه قاصمة الظهر، إذا كان كل من عمل شيئا فإنه يجزى به، نحن سنجزى بالسوء الذي عملناه قديما أو حديثا، فبشرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الجزاء الذي تجزون به هو ما ينالكم في الدنيا من الهم والغم والألم والمصائب والحزن وما أشبه ذلك، وبشرهم أيضا بقوله -صلى الله عليه وسلم- ما يصيب المسلم من هم ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه .
فقال: هذا هو الذي تجزون به، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ أي يجازيه الله به في الدنيا؛ فيكون إن كان مؤمنا؛ جازاه الله في الدنيا، وكان ذلك الذي يصيبه من الهم ونحوه جزاء ما عمله من السوء.
وأما إن لم يكن مؤمنا؛ فإنه تؤخر له سيئاته حتى يجازى بها، في الآخرة عذاب أليم شديد -والعياذ بالله- فنحن؛ يعني كثيرا من السلف كانوا يفرحون بالبلاء كما يفرح غيرهم بالنعمة.
ومن أراد التوسع في ذلك؛ فليقرأ كتاب ابن القيم الذي سماه عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين أوله: يتعلق بالصبر وبالمصائب، وبما يحصل من أثر الصبر والتحمل، وآخره: يتعلق بالشكر، فالصبر يكون على المصائب، والشكر يكون على النعم وعلى الخيرات، وكلاهما فيه أجر، وفيه خير للمؤمن.
ولا شك أن لما يلزم المؤمن أن يصبر على ما يصيبه، وأن يكون ممن يقوم بأمر الله، ويعمل بما أمر به، ويظهر دينه، ويظهر ما ألزم به، ولا يبالي ولا يخاف في الله لومة لائم؛ فلذلك يكون حقا أنه من القائمين بأمر الله تعالى، ومن الذين ينالهم الأجر.
ففي قوله -فيما أخبر الله تعالى به من المصائب ونحوها- أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ الفتنة تكون عند إظهار الدين، فلو أن الناس كلهم جهلوا، وسكتوا، واقتصروا على أنفسهم، ولم يتدخلوا في أمور الناس، ولم يأمروا بالخير، ولم يدعوا إليه؛ لظهر الشر وتمكن، وأصبح الأشرار يسومون الناس سوء العذاب، وأصبح أهل الخير أذلاء مغمورين مقهورين ليس لهم تصرف، وليس لهم أية اختيار.
أما إذا عرف أهل الخير أنهم مكلفون بأن يدعوا إلى الله تعالى، وبأن ينكروا على من خالف الطريق السوي المستقيم، وبأن يجهروا بدينهم، ويظهروا الإنكار على من خالف الحق، ولو كان ما كان، ويتحملوا ما يحدث لهم فإنهم -والحال هذه- يصيرون بذلك قد أظهروا أمر الله تعالى، وأطاعوه فيما كلفهم وفيما أمرهم.
ولقد وصف الله تعالى الصحابة -رضي الله عنهم- بقوله .. فنعرف أن الله تعالى وصف الصحابة بست صفات في قوله تعالى: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ الصفة السادسة قوله: وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ أي: لا يخافون في ذات الله لوم من يلومهم، ولا إنكار من ينكر عليهم، ولا يخشون من أذى، أو من عذاب أو من بطش أو نحو ذلك، بل يجهرون بالحق ويسطعون به ويظهرونه مهما كانت الأحوال.
هكذا أخبر الله بصفاتهم، وكذلك في الحديث الذي فيه وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر يقول: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع إلى أن قال: وأمرني أن أقول الحق، وإن كان مرا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم .
فقول الحق يعني: الجهر به بين الناس، وعدم المخافتة، أو عدم المداهنة في الجهر بالحق، هكذا أخبر أنه لا بد أن يكون الإنسان يقول الحق، ولو كان مرا، ولو على نفسه، وأن يجهر في ذات الله تعالى بما أمره به.
وعلى كل حال فهذا ونحوه دليل على أن المسلم عليه أن يصبر على الجهر بالحق، وعلى تغيير المنكر، ويتحمل ما أصابه، ويعرف أن ذلك في سبيل الله، كما ذكروا
<متن_ح ربط=Hits17706.htm معياري=أنه صلى الله عليه وسلم مرة دميت إصبعه في سبيل الله فقال هل أنت إلا إصبع دميت وفي > أنه -صلى الله عليه وسلم- مرة دميت إصبعه في سبيل الله، فقال:
هَلْ أَنْــتِ إِلَّا إِصْبَــعٌ دَمِيــتِ
وَفـي سَـبِيـلِ اللَّـهِ مَـا لَقِيـتِ
. احتسب هذا الجرح الذي هو الذي حصل في إصبعه، وجعله في سبيل الله تعالى، .. وذلك حتى تعرض الإنسان للقتل في سبيل الله بأيدي الأعداء، كل ذلك مما يثاب عليه، ويضاعف به الأجر والثواب.
ويصبر المسلم على ما حصل له في هذه الحياة الدنيا، ويتحمل الصعوبات والمشقات، ويعرف أن الله تعالى سيجعل له من بعد عسر يسرا، كما وعد الله تعالى ووعده حق وصدق، وقد ورد في بعض الأحاديث: لن يغلب عسر يسرين وقالوا: إن ذلك في قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا العسر هنا معرف بالألف واللام؛ فهو واحد، واليسر منكر في الموضعين يدل على أنه يسران: لن يغلب عسر يسرين .
فإذا كان الله أخبر بأن هناك يسرين، وأن العسر واحد؛ فإنه سوف يغلب، ويكون معه عسر واحد؛ فنصبر ونتحمل ولا نستبطئ الفرج، بل نستمر على ذلك مهما حصل لنا إلى أن يتحقق وعد الله تعالى بالفرج الذي هو فرج بعد شدة، وبعد ضيق، وهنالك نحمد العاقبة على ما أصابنا، ونحتسب أيضا الأجر والثواب المضاعف عند الله تعالى.
نسأل الله أن يرزقنا الصبر والاحتساب، وأن يجعلنا من الذين لا يخافون فيه لومة لائم، وأن يرزقنا القول بالحق واتباعه، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على محمد .
شكر الله لفضيلة الشيخ العلامة الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين على هذه الكلمات وعلى إثلاج هذه الصدور بما قال، وجعلها الله في ميزان حسناته يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ونفعنا الله بأحسن ما سمعنا.
س: يقول السائل: فضيلة الشيخ: هل يأثم رجال الهيئة إذا تركوا هذا الجهاز، أو تقليل العمل، إذا رأوا المنكر، وسكتوا، رغم البلاغات التي تنصب على المراكز بكثرة خاصة هذه الأيام؛ حيث استغل أهل الفساد هذه التعاليم؟
وظيفة الأعضاء هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعلوم أن الأمر يستدعي الإلزام، والنهي يستدعي الترك، فإذا أمرت فلا بد أن تلزم بما تأمر به، فإذا نهيت فلا بد أن تلزم بترك ما نهيت عنه.
فإذا كنت جازما بأن هذا منكر؛ فعليك أن تغيره بقدر ما تستطيع، التغيير على حسب القدرة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- من رأى منكم منكرا؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان .
فما دام أن هذا إذا لم تغيره فإنه يستشري ويتمكن، ويظهر المنكر، ويضعف الخير، ويضعف أهل الخير، ويكون في هذا ضرر على أهل الخير وعلى أتباعهم؛ فلا بد أن يقدم على تغييره بقدر ما تستطيعه، ولو حصل لك ما حصل، ذلك في سبيل الله تعالى.
س: يقول السائل: ما رأي فضيلتكم مدى براءة ذمة رجل الهيئة إذا خشي أنه إذا أنكر منكرا ظاهرا؛ ترتب عليه مفسدة وتعطيل عن العمل؟
يمكن أن يقال: إن عليه أن يفعل قدر ما يستطيعه، ولكن إذا ترتب على ذلك ضرر على الأعضاء وعلى الآخرين، ومَنْعٌ لأهل الخير؛ فهنالك تعالج المسألة بقدر ما يتحمل، وعلى هذا لا شك أن تغيير المنكر يكون على حسب القدرة، وعلى حسب الاستطاعة.
وعلى هذا الحديث؛ فما دام أنه سوف يترتب عليه منكر أشد، وهو الضرر الذي يؤدي إلى الترك الكلي، فبعض الشر أهون من بعض.
س: فضيلة الشيخ: ما الرد على من يقول: إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هذه الأيام قد عذر إلى الله؟
نحن نرى أنه لا عذر لك وأنت ترى المنكر، وأنك معك قدرة على أن تتكلم على صاحب المنكر وتتحفظ عن أن ينالك شيء من هذا، فنقول: إن عليك مثلا أن تغير هذا المنكر الذي تراه مع التحفظ ومع الإشهاد على من يقترف المنكر، الإشهاد عليه بأنه فعل هذا المنكر أمام الناس، وهنالك أو تجد من أهل الخير من يؤدي هذه الشهادة لله تعالى، وتستعين بكل ما تقدر عليه، حتى مثلا تسجيل صوته وكلامه معك، وكلامك معه، يكون ذلك أيضا مبررا لما تدعيه، وعلى كل حال إذا حصل لك شيء من الأذى أو من الاضطهاد؛ فاعتبر ذلك من الجهاد في سبيل الله، ومن الذي يضاعف الله به الأجر على قدر المحتسب.
س: يقول السائل: متى تكون المصائب رفعا للدرجات، ومتى تكون تكفير السيئات؟
معلوم أن كل بني آدم يحصل منهم شيء من الأخطاء ومن الزلات ومن المخالفات وما أشبهها؛ فتكون تكفيرا للسيئات. ولكن قد يوفق الله بعضهم بأن يكون ليس له سيئات، أو قد كفرت سيئاته ومحيت، وليس عليه شيء من الذنوب فتكون المصائب في حقه رفعا لدرجاته، وتكثيرا لحسناته، وإجزالا لمثوبته، فمثل الأنبياء وأتباع الأنبياء من الذين حققوا اتباعهم، وصاروا من أولياء الله الصالحين المصلحين، هؤلاء يغلب أن ذنوبهم قد كفرت، أو أنه ليس لهم ذنوب؛ فتكون المصائب رفعا لدرجاتهم.
في حديث ابن مسعود أنه دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك وعكا شديدا -يعني من ألم الحمى- فقالوا: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا، فقال: إني لأوعك كما يوعك رجلان منكم ثم قال: ذلك لأن لك الأجر مرتين. قال: أجل ثم بشره بأنه: ما من مسلم يصيبه شيء من الأذى ومن المرض إلا كان ذلك رفعا لدرجاته أو ما أشبه ذلك.
س: يقول السائل: إذا قبض على شخص قد ارتكب حدا من حدود الله، وإذا أحيل إلى قسم الشرطة؛ قد يحدث ضررا على الأعضاء من سجن أو غير ذلك، هل يطلق سراحه من المركز بدون تنفيذ حد الله عليه؟
نعم، إذا كان يترتب على ذلك ضرر على الأعضاء، كتكذيب لهم، لكنا نقول: عليكم أولا الإشهاد والتحقق من أنه ارتكب هذا المنكر الذي هو حد من حدود الله، والحرص على القرائن والعلامات وتسجيل الكلمات أو تصويره وهو على تلك الحال، أو ما أشبه ذلك.
ثم عليكم بعد ذلك أن تجتمعوا جميعا، وتطلبوا أن تكون المحاكمة إلى المحاكم الشرعية لا إلى غيرها ممن ليسوا أهلا للنظر في هذه القضايا، فإذا رفعت إلى الحاكم الشرعي والقاضي؛ فلعله ينظر فيها بعدل وإنصاف -إن شاء الله-.
أما إذا خيف أنه يحصل على الأعضاء شيء من الضرر ومن الإيقاف وما أشبه ذلك، ويكون في ذلك ذل للبقية؛ نرى أنه يخفف من هذا بقدر المستطاع.
س: يقول السائل: ما رأي فضيلتكم في الاعتزال في هذه الأيام، وكيف يكون الاعتزال؟
يُورَد في حديث الاعتزال في قوله -صلى الله عليه وسلم- يوشك أن يكون خير ما لأحدكم غنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن قيل: إن المراد بالفتن القتال الذي يحدث بين الطوائف وبين الناس، وقيل: إن المراد بالفتن الشهوات والمغريات والدوافع إلى المنكر كالاختلاط مثلا، ودوافع الفساد وما أشبهه؛ أنه لا يأمن إذا اختلط بالناس أن يقع في شيء من هذه الشهوات والمنكرات.
ففي هذه الحال له أن يخرج خوفا على نفسه وهربا بدينه، وكذلك أيضا إذا خشي من الفتنة التي هي الفتنة في دينه بأن يؤذى في دينه ويضطهد ويحمل على الكفر أو على المعاصي أو ما أشبه ذلك.
فإن مثل هذا أيضا يعتبر من الأذى أو من الفتن التي تخول له أن يهرب من البلاد التي فيها هذا الأذى ونحوه، وينجو بنفسه، وأما إذا كان يستطيع أن يتحمل، ولو مع شيء من المشقة؛ فإن التحمل أولى، للحديث الذي فيه قوله -صلى الله عليه وسلم- المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم .
فمعناه القدرة على الصبر، إذا كان المسلم يستطيع أنه يصبر على الأذى إذا أوذي بلسان أو أوذي بيد أو أوذي في ماله أو نحو ذلك، ولكنه تحمل ذلك؛ فإن هذا أولى به.
س: فضيلة الشيخ: هل من نصيحة لبعض الأعضاء لمن يوجد في بيته بعض المنكرات التي يستطيع أن يقوم على إزالتها، لو أنه نظم وقته، حيث إن بعض الأفراد لا يعطي بيته حقه؛ حيث أدى إلى أن أهل بيته اقترفوا مثل هذه المنكرات أو كما قال السائل؟
لا شك أن كل عضو من الأعضاء أولى بأن يطهر نفسه، وبأن يبدأ بنفسه ويطهر منزله، ويطهر أهله، ويبعد عن مجتمعه وعن منزله كل شيء فيه قدح في الدين أو ضرر في العبادة يجرئ الناس عليه، ويقال: هذا الذي هو عضو في الهيئة مثلا، أو هذا خطيب في ذلك المسجد، أو هذا إمام بمسجد كذا وكذا، أو مؤذن، أو هذا قاض، أو عالم أو معلم أو نحو ذلك، وهو مع ذلك يتعاطى كذا وكذا، ببيته من آلات اللهو كذا وكذا، ويفعل أو يصحب أهل الملاهي ويجالسهم، أو ما أشبه ذلك.
فتتوجه إليه هذه الأقوال التي فيها قدح فيه؛ بحيث لا يقبل قوله، ومن أراد أن يأمر بالخير ويدعو إليه؛ فلا بد أن يبدأ بنفسه:
ابدأ بنفسك فانههـا عـن غيهـا
فإذا انتهت عنــه فـأنت حـكيم
لا تنه عن خـلق وتـأتي مثلـه
عار عليـك إذا فعلــت عظيـم
تصف الدواء لذي السقام من الضنا
كيما يصـح بـه وأنـت سـقيم
غير تقـي يـأمر النـاس بالتقى
طبيب يداوي النـاس وهو سـقيم
فالذي يريد أن ينتفع بأمره؛ يطهر نفسه، ويطهر بيته، ويحمل أهله على الاستقامة، وعليه مع ذلك أن يتفقد أهله؛ وأن يجعل لأهله وقتا ولو قليلا يؤنسهم، ويجلب لهم الخير، ويعلمهم، ويدرسهم ويقرأ عليهم ولو احتاجوا منك وقتا طويلا، بحيث لا يدري ما يحدث بعده، ولا ما يكون في المنزل بعده، فإن مثل هذا بلا شك ضرر على أهله، إذا طالت غيبته عنهم، وطال بعده عنهم؛ فإنهم قد يحدثون ما يريدون، وقد يستجلبون من الآلات؛ آلات الملاهي وأشرطة الغناء مثلا وأفلام الغناء والصور الصحف الماجنة وما أشبهها، ما يفسد عليهم أخلاقهم، وهو لا يشعر عنهم، وهو غافل عنهم، والناس يعرفون ما يقعون فيه؛ فيقتدون به، فيكون كالذي يضيء للناس ويحرق نفسه.
ورد ذلك في بعض الأحاديث: أن الذي يأمر الناس بالخير ولا يمتثله كالسراج؛ يضيء للناس، ويحرق نفسه.
فعليه أن يبدأ بنفسه، وبأهل بيته كما أمر الله بتطبيق ذلك بقوله: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا أي: ابدءوا بأنفسكم وابدءوا بغيركم:
ابـدأ بنفسـك فانههـا عـن غيهـا
فـإذا انتهـت عنـه فـأنت حـكيم
س: إذا قبض على رجل مثلا سكران، ورجيت توبته، وتبين أنه أول مرة، هل يطلق سراحه؟ أم يرتكب إثم بدون علم رئيس المركز، وما الحكم بعلم رئيس المركز؟
واجب أن يمسك إلى أن يفيق، وإذا أفاق؛ يستفصل معه، ويسأل ما الذي حملك على هذا؟ ما الذي دفعك إلى هذا الفعل؟ وتتبع أخباره، فإذا عرف مثلا أنه مدمن، وأنه كثير الاعتياد لهذا؛ فنرى أنه لا يطلق، بل يعاقب بما يردعه، إن تمكن الأعضاء أو المركز من إقامة الحد عليه، وإلا إذا لم يتمكنوا رفعوا بأمره وتبرأ بذلك ذمتهم.
س: السؤال الأخير: هل يجوز لرئيس المركز إقامة الحد في المركز، وإطلاق السراح؟
نرى أنه يجوز ذلك، إذا أمن العتاب، أو كان عنده قدرة على ذلك مع عدم المعاتبة، وعدم الأذى، أو المنع الصريح له، والتهديد لمن يفعل ذلك، وهذا بلا شك فيه فائدة عظيمة لجميع المسلمين، لما ورد في الحديث: لحد يقام في الأرض خير من أن ينقر أربعين صباحا .
الحد هنا العقوبة التي تقدر على ذنب، عقوبة مقدرة على ذنب؛ لتمنع من الوقوع في مثله، إذا أقيم حد على مذنب أيا كان ذنبه ولو كان صغيرا، لأن في ذلك زجرا للآخرين عن اقتراف مثل هذا الذنب، ويكون فيه رحمة من الله تعالى بقلة الذنوب، وبقلة المعاصي.
معلوم أن الخمر حده الجلد، وإذا تكرر فإنه قد يصل به الأمر إلى حد القتل، مثل ما قال.. يعني ورد أحاديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن عاد الرابعة فاقتلوه ولا عذر لترك العمل بهذا الحديث.

line-bottom